الثلاثاء، 24 مايو 2011

البحرين على شفا الكارثة

ألقت الإضطرابات السياسية بظلالها على الإقتصاد البحريني (23 مليار دولار) وأثارت تساؤلات حول قدرته على المنافسة مقارنة بنظائره الذين كانوا ينافسونه حتى قبل الإضطرابات السياسية. هل بإمكان البحرين التعافي من هذه الأزمة؟

مخلص

عقود من الدعاية حول تصوير البحرين كنموذج للإقتصاد الحر في الشرق الأوسط تلاشت، عندما قامت الحكومة البحرينية بقمع المعارضة وفرض حالة الطوارئ. ما بدأ بمطالب معيشية ومطالب بالمساواة و العدالة أصبح كفاحاً ثورياً للمعارض الشيعية. وتسببت الإضطرابات في تراجع الإقتصاد البحريني (23 مليار دولار) وأثارت تساؤلات حول قدرته على المنافسة مع نظرائه الذين كانوا ينافسونه حتى قبل هذه الإضطرابات، فهل بإمكان البحرين التعافي من هذه الأزمة؟

إيجاد طريقة للعودة

دائماً ما كانت البحرين تحرز تقدماً في مؤشر الإقتصادر الحر السنوي، و في طبعة 2011 والتي نشرت في 12 يناير -قبل يومين من فرار رئيس تونس من بلاده كأول ضحية لربيع الثورات العربية- قيمت المؤسسة الإقتصادية البحرين كعاشر دولة من حيث الحرية الإقتصادية في العالم، بإدخال تحسينات على حرية الإستثمار وحرية العمل.
البلدان التي تحصل على تقييم مرتفع تثبت إلتزاماً لتمكين الفرد، عدم التمييز وتعزيز المنافسة. أقتصادهم يتجه لتحقيق نتائج أفضل و شعوبهم تتمتع بالإزدهار وصحة أفضل ونتائج أفضل في مختلف مجالات الحياة. البلدان التي تحصل على نتائج في الثمانينات و أكثر تستحق تسمية "الإقتصاد الحر" و التي تحصل على نتائج في السبعينات تسمى "حرة في الغالب" و البحرين سجلت نتيجة 77. وكان ينظر إليها على أنها من أفضل الإقتصادات الحرة في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
رسم تقرير هذه السنة صورة مخالفة. فالبحرين الآن أكثر الدول ضعفاً في الإقتصادات الخليجية، ووصل البحرين تأثير ثورات الربيع العربي. وفعلت قوانين الطوارئ ودخلت القوات السعودية للبحرين لتحقيق بعض الإستقرار.

مواطني البحرين في حدود نصف مليون شخص، 70% من الشيعة. وتحكمها أسرة سنية. في السابق، ثار الشيعة و اشتكوا من التمييز و قلة الوظائف، ولكن هذه المرة كانت مطالبهم أكبر متأثرة بثورات الربيع العربي.

النداءات المتكررة للحوار من الطرفين، بما في ذلك رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة لم تصل إلى شيء وسرعان ما تصاعدت الأزمة و تم قمع المتظاهرين بوصول قوات خليجية بقيادة سعودية.

حتى الآن تم إخماد الإضطرابات و الإحتجاجات، تم إطلاق النار على المحتجين الشيعة و تم اعتقالهم ولكن لا يوجد شيء أكيد حتى الآن في البحرين.

في حين يتوقع رفع قانون الطوارئ في 1 يونيو ستبقى القوات الخليجية في البحرين لضمان ردع أي "قوات أجنبية" يقصد بها إيران.

معظم قادة المعارضة في السجن الآن، بالإضافة إلى الصحفيين و المدونين و آخرين ممن أظهروا تعاطفاً نحو المحتجين.

الإضطرابات السياسية أثرت بالفعل على الإقتصاد و وفقا لآرنست آند يونغ فإن معدلات إشغال الفنادق في البحرين لشهر مارس 2011 وصلت إلى 10% بإنخفاض 50% مقارنة بنفس الفترة في السنة السابقة.

تمثل السياحية ما يعادل 5% من الناتج الإجمالي المحلي في البحرين، و توفر 10% من مجموع الوظائف. و عدم وجود سياحة يشير إلى أن البحرين ليست صديقة للتجارة مما يفتح باب المتاعب.

قطاع السياحة و المؤتمرات (غالبها من الفنادق والمطاعم) تضررت بشدة، ومع إلغاء سباق الجائزة الكبرى (الفورملا 1) تأثر القطاع أكثر، و قطاع البنوك الذي تعافى من آثار الأزمة المالية العالمية عانى بشدة كما يقول معهد التمويل الدولي.

صندوق النقد الدولي يتوقع أن يتباطئ الإقتصاد البحريني إلى 3.1% في عام 2011، بينما يتوقع معهد التمويل الدولي أن ينخفض إلى 2.9%.

يقول معهد التمويل الدولي :" لا يبدو أن القطاعات الأخرى مثل الغاز و التصنيع ستتأثر بشدة ولذلك سيتم إزالة 2.0% من النمو في البحرين، مع خطر إنخفاض النمو في البحرين إذا أخذ حل الأزمة فترة طويلة"

سيتي بنك - والذي افتتح خدمة لإدارة الثروات في المنامة في 9 مايو- يبدو أكثر تشائماً، ويتوقع أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي إلى 1% هذا العام.

ويتوقع البنك عودة النمو في عام 2012 بأخذ النظر في الإعتبار الأموال من الدول الخليجية والتي سيتم إستثمارها في عمل المساكن ومشاريع أخرى، تهدف بشكل كبير إلى إستعادة الإستقرار الإجتماعي في المملكة. إضافة إلى 10 مليار دولار من خطة الخليج للتنمية.

يضيف ستي بنك "على المدى البعيد، قد تؤثر الإضطرابات على طموحات مملكة البحرين لتعزيز مركزها المالي إقليمياً"

التحذير الأخير - يأتي من البنك الدولي - والذي يثير خوف السلطات البحرينية. حيث أن الإضطرابات ساهمت في إظهار مشكلة كانت البحرين تعاني منها منذ سنوات وهي "ما يميزها عن الآخرين"

إعتبرت البحرين طويلاً آمنة و مستقرة ومركز مصرفي في المنطقة، ولكن يبدو أن هذه السمعة بدأت في التأثر بدخول مراكز أخرى ساهمت في إضعاف حصة المنامة. إزدهرت دبي على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية. أبو ظبي والدوحة يبدوان كماردان ماليان، و الإصلاح الإقتصادي في المملكة العربية السعودية أثرت على سمعة البحرين كمركز مالي للبنوك الأجنبية.

تقول كابيتال إنتيليجنس : " آفاق النمو على المدى المتوسط أصبحت أكثر غموضاً بسبب الزيادة في المخاطر السياسية والتأثير على سمعة البحرين كمركز مالي أكثر حرية في المنطقة، خاصة في الوقت الذي زادت المنافسة على الأعمال الأجنبية في الدول الخليجية"

توقعات بمخاطر سياسية أكبر، و إن استمرت سوف تجعل من الصعب للقطاع الخاص أن يخلق وظائف للقوى العاملية البحرينية خلال السنوات المقبلة.

وإتهمت منظمة العمل الدولية حكومة البحرين بالفصل التعسفي لأكثر من 300 موظف من طيران الخليج، شركة ألبا للألومنيوم، ميناء خليفة. كما فصلت الكثير من النقابيين، و التي يمكن أن تزيد من مشكلة البطالة المستشرية في العمالة الشيعية.

القطاع المصرفي والسلطات يحاولون الإيحاء بالأمل للنهضة القادمة. وفقاً لبيانات البنك المركزي البحريني للربع الأول من العام 2011 هنالك 409 مؤسسة مالية و 30 صندوق استثماري في البحرين.

ومع ذلك في مارس انخفضت خزينة الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي 10% محققة أدنى مستوياتها منذ 2005. وتشير البيانات إلى أن الكثير قام بنقل الأموال لدبي والمراكز المالية الإقليمية الأخرى. في حين يبدو أن هذا تدبيراً مؤقتاً تبدو فرصة رجوع هذه الأموال بعيدة في ظل المخاطر السياسية.

هذه الزيادة في المخاطر السياسية في المنطقة المضطربة بالفعل تعتبر كمقياس يراقبه المستثمرين الأجانب. وبشكل غير مستغرب قامت الوكالات الإئتمانية بتخفيض تنصيف ديون البحرين السيادية.

تقول كابيتال انتيليجنس "التخفيض يأخذ في عين الإعتبار ضعف المرونة المالية في السنوات القليلة الماضية، مما ساهم في تقليص قدرة السلطات على التعامل مع الصدمات الخارجية، وسيكون من الصعب إستعادته بسبب الظروف الحالية" حيث خفضت تصنيف البحرين على المدى البعيد في تصنيفات العملات الأجنبية و المخلية من A إلى BBB+.

معهد التمويل الدولي يشير إلى أن ارتفاع أسعار النفط سيتيح نوعاً من الراحة للحكومة، على الرغم من أن الإنفاق سوف يكون أعلى مما ورد في الميزانية بسبب زيادة المخصصات لمنافع إجتماعية و بيوت إسكانية. إرتفاع أسعار النفط لن تغطي هذه الزيادة في الصرف.

"نعتقد أن الفائض من الميزانية سيكون حوالي 1% من الناتج المخلي الإجمالي، ولكن الضعف الإقتصادي البحريني قد زاد، بما أن نقطة التعادل لتغطية عجز الميزانية قد زادت الآن إلى فوق 100 دولار لبرميل النفط" كما صرح معهد التمويل الدولي. وسيساعد تضاعف إنتاج حقل عوالي النفطي إلى 3 أضعاف في تخفيف ضغط العجز في الميزانية، على الرغم من أن الأرباح لن تكون بالكامل للحكومة.

إرتفاع أسعار النفط سوف تبقي فائضاً في الميزانية في هذا العام و العام القادم ويتوقع أن يبلغ الفائض التجاري 5.5 مليار دولار في العام 2011، وسيعوض هذا الفائض العجز في الخدمات والدخل والتحويلات بسبب الإنخفاض الحاد في إيرادات السياحة و السفر.

"ونتيجة لذلك، نتوقع أن الفائض الحالي سيساهم في 11% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، و سيكون الرقم من خانتين في عام 2012. سيساعد هذا الأمر في تعويض أي هروب لرأس المال ودعم سعر الصرف" كما يوضح معهد التمويل الدولي.

مجال المناورة

على عكس المملكة العربية السعودية التي ضخت دعماً إقتصادياً بلغ 130 مليار دولار فإن البحرين لا تملك الترف نفسه. طبقاً للبيانات المتوافر عن البحرين في تقرير مجلس التنمية الإقتصادية للربع الأخير فإن نقطة التعادل في سعر برميل النفط تبلغ 85 دولار للبرميل وتعتبر الأعلى، مما يجعلها عرضة للتقلبات في أسعار النفط.

بينما يمكن للملكة العربية السعودية و دول الخليج الأخرى أن تقدم المزيد من المساعدات بالإضافة إلى المساعدات التي قاموا بضخها بالفعل وتعادل 10 مليار دولار، فإنه ذلك يمكن أن يساهم في جعل البحرين تبدو معتمدة كلياً على جارتها المملكة السعودية و دول الخليج الأخرى، بدلاً من أن تكون سوقاً تنافسية مقارنة بهم.

" الأصول المالية الرسمية في البحرين لا تقارن ببقية الإستثمارات التصديرية" هذا ما أوضحه تريستان كوبر المحلل الرئيسي في الشرق الأوسط. "هذا يكشف البحرين مالياً إلى درجة المخاطرة، التي بنظر موديز يعادل ما تصنيفه A3"

بينما الربع الأول من 2011 في نظر مجلس التنمية الإقتصادي في البحرين يشير إلى وجود نمو يعادل 5.2% و 5.7% في 2012، مع نمو أكيد في الفنادق والمطاعم (5% في 2011)، والنقل والإتصالات (9.5%) وتبدو هذه النظرة حلماً بعيد المنال.

مستقبلاً ستواجه البحرين عاصفة من المشاكل، الإصلاح السياسي و النيابي يبدو في حالة مزرية، مما يعني أن القرار في النهاية سيؤول إلى ملك البحرين.

التوقعات الإقتصادية تشير إلى أن البحرين تحاول الحفاظ على موقف منفتح تجاه الإستثمار الأجنبي، و السماح للأجنبي بتملك 100% من أسهم الشركات في البلد.

ولكن، "مكانة البحرين كمركز مالي إقليمي ستضعف في الفترة القادمة - مقارنة بدبي وقطر -. و ستسعى للإستثمار في النبية التحتية مثل الموانئ في محاولة للبقاء في سباق المنافسة مع أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي" كما يتوقع الإقتصاديون. ويضيفون إلى أن الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس القادمة سيترواح بين 3.8%، مقارنة بـ 5.8% في السنوات الخمس السابقة.

الهدوء النسبي في المنامة يرجع في المقام الأول إلى سجن قادة المعارضة الرئيسين.

حيث قام رئيس الوزراء الشيخ سلمان بزيارة خاطفة للملكة المتحدة للحصول على دعم للحكومة من حلفائها، الضغط لازال على المنامة لإظهار بعض التغيير.

وانتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إشارة مباشرة إلى البحرين في خطابه حول الشرق الأوسط في 19 مايو قائلاً " السبيل الوحيد للتقدم هو أن تدخل الحكومة و المعارضة في حوار، و لا يمكن إجراء مثل هذه الحوار بينما جزء من المعارضة في السجن".

الخاتمة

قد يتوقف إزدهار البحرين في المدى البعيد على قضيتين رئيستين:

 القدرة السياسية للإبتعاد عن شفا الكارثة، وفتح شكل من الحوار مع بعض أعضاء المعارضة على الأقل. لكن يبدو أن ذلك صعب المنال في ظل الضغط من دول الخليج لإبقاء الوضع كما هو.

ثانياً، القدرة على المنافسة الإقتصادية على الرغم من المنافسة الشديدة من جيرانها. وبوجود النفوذ السعودي، يمكن الإستفادة من نوع من الدعم الإقتصادي مع المملكة لتعزيز و إضفاء الطابع الرسمي على العلاقة مع الإقتصاد السعودي. وهنالك نموذج مشابه وهو العلاقة بين الصين و هونغ كونغ. حيث المنامة تشابه هونغ كونغ بمثابة مركز للحرية الرأسمالية، مقارنة بالرياض الأكثر محافظة. حيث يمكن الأخذ بهذا النموذج.

خطوة جرئية بلا شك، ولكن الوقت غير مناسب للقرارات الخجولة.

ترجمة غير رسمية للمقالة المنشورة في موقع زاوية. (رابط المقالة الأصلية)

ملاحظة:
في المقال إشارة في أكثر من موضع لرئيس وزراء البحرين، بينما يبدو بأن المقصود ولي عهد البحرين سلمان بن حمد و لذا وجب التنويه حيث هذا الخلل واقع في المقالة الأصلية.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق