في خطابه الإسبوع الماضي حول منطقة الشرق الأوسط، أزال الرئيس الأمريكي بعض الشك في وقوف الأمريكان بجانب شعوب المنطقة التي تطلب التغيير، و هذا يضع الولايات المتحدة في تصادم مباشر مع المملكة العربية السعودية.
المملكة السعودية ظهرت كقوة كابحة ورافضة للتغيير، وتحاول إيقاف أي مطلب شعبي من أجل الإصلاح. كنا نتوقع أن تكون إيران هي من تقود الحركة ضد منع التغيير، ولكن الحليف الأكثر قرباً للولايات المتحدة في المنطقة العربية هو الذي يسعى لمجابهة السياسة الأمريكية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي لم يشر من القريب أو البعيد للمملكة العربية السعودية في كلمته، فالتعامل مع المملكة يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
السعودية أوضحت بشكل واضح للأمريكيين بأن دعمهم للدمقراطية أمر خطير على الممالك في منطقة الخليج الفارسي. وإن دعمت الولايات المتحدة الديمقراطية، فالسعودييون يلمحون إلى فك الإرتباط والتحالف مع أمريكا. (نص التلميح: النفط)
التهديد و التلميح السعودي يحاول أن يخير صانعي السياسة الأمريكيين بين القيم الأمريكية و المصالح الأمريكية. وعلى واشنطن بطبيعة الحال أن تختار بين دعم الشعوب العربية من أجل الإصلاح و خطر تزايد الخلاف مع المملكة العربية السعودية، أو أن يحمي العلاقة مع المملكة العربية السعودية وفقد بقية دول الشرق الأوسط.
وفي الواقع، فالضغط على أمريكا من أجل أن تختار بين قيمها ومصالحها أمر خاطئ كما أوضح ذلك الرئيس الأمريكي في خطابه. والآن، على السياسة الأمريكية أن تعكس هذا الأمر. حتى الآن، لا زالت أمريكا تحاول إرضاء السعوديين، و علينا الآن أن نتحداهم بالقول والفعل بدلاً من ذلك.
تحول جذري
ليس بالأمر المستغرب بأن التحول الجذري في السياسة العربية، و الثورات الشعبية التي تدعو إلى الإنفتاح و الإصلاح و المساءلة تخيف النظام السعودي. فالمملكة كما بقية العالم العربي، بها الكثير من الشبان الذي يريدون أعمالاً، و حرية ورغبة في التحكم في السياسات. 39% من السعوديون تتراوح أعمارهم بين 20-24 عاماً لا يعملون. وبعد مشاهدتهم لتنحي الرئيس المصري حسني مبارك بعد إحتجاجات الشباب المصري. أعلن العاهل السعودي عن 35 مليار دولار كمساعدات اجتماعية لتجنب مطالبات الإصلاح في الداخل السعودي. وقد يكون العاهل إشترى بعض الوقت للملكة إلا أن الكثير من قطع الدومينو بدأت بالسقوط وقد لا يتمكن السعوديون أن يوقفوا مطالب الإصلاح. فهنالك إحتجاجات عنيفة عند حدود السعودية في داخل البحرين و اليمن، وهذه الإحتجاجات مثيرة للقلق.
كانت دائماً نصائح الرياض لكل حاكم عربي بأن يقاوم الإصلاح. وعندما تبنت الولايات المتحدة ربيع الثورات العربي بدأت الرياض بالقلق. وازداد قلق السعودية عندما دعت امريكا مبارك للإستقالة، و عندما حثّت البحرين على الإصلاح، رأى السعوديون بأن السياسة الأمريكية تهددهم بشكل مباشر.
تشجيع الحوار
شجعت واشنطن ملك البحرين على الدخول في حوار مع المعارضة، وساهم الأمريكيون في التوسط في المحادثات. كان هنالك إتفاق وشيك عندما شكك ت الرياض في السياسة الأمريكية وقامت السعودية بإقناع البحرين على رفض الحوار وأرسلت قوات من السعودية و الإمارات لقمع الإحتجاجات.
كانت حجتهم الواهية بإن إيران كانت تقف وراء هذه الإحتجاجات، ويجب وقف التوسع الإيراني. وبدلاً من كونها احتجاجات محلية شعبية أصبح الأمر صراع إقليمي. سياسة السعودية كانت واضحة: نقل التركيز من الديمقراطية إلى البعبع إيران.
وبسبب نتائج تدخلها في البحرين، حاولت السعودية تحويل الأمر لإستراتيجية لمكافحة الربيع العربي، و دعت الرياض لتوسيع مجلس التعاون الخليجي، من دول مطلة على الخليج الفارسي إلى دول تشمل الأردن و المغرب والتي لا تطلع على الخليج.
إخماد الإحتجاجات
هذا التوسع سيحول مجلس التعاون الخليجي إلى نادي للملكيات. العضوية ستوفر الأموال للأردن والمغرب وهما يعانيان من ضائقة مالية. وسياسهم ذلك في إخماد الإحتجاجات الغاضبة. في المقابل، سيكون عليهم التخلي عن الإصلاح و يجب أن تجهز جيوشها لإخماد الإحتجاجات التي بالإمكان أن تنفجر مرة أخرى في دول الخليج العربي.
موقف المملكة العربية السعودية الجديد يعتبر تحدياً خطيراً لسياسة الولايات المتحدة. والموافقة على مطالب السعودية ستجعل الأمريكان في مكان خطأ في مقابل التغيير التاريخي في المنطقة، وهذا سيضر مصالح الولايات المتحدة على المدى البعيد. وقمع الإحتاجات في البحرين قد قوّض بالفعل مكانة أمريكا في المنطقة.
زيادة التوتر المتعمد من قبل المملكة العربية السعودية مع إيران محفوف بالمخاطر، فممالك الخليج لا تملك القوة العسكرية لدعم سياستها العدوانية ضد إيران. ومصداقيتهم تعتمد على الدعم الأمريكي. وإن حاولت إيران التصعيد في الخليج، فمصالح أمريكا المتزايدة في الخليج و وجودها العسكري الكبير سيضع أمريكا في وسط الصراع.
مواجهة التحدي
ولكل هذه الأسباب على الولايات المتحدة أن تواجه التحدي السعودي. والفشل في القيام بذلك سيضر بمكانتنا في المنقطة و سنخسر الرأي العام هناك، و لن يستفيد من هذا إلا إيران.
على الولايات المتحدة أن تؤكد دورها القيادي في الشرق الأوسط، و على الرغم من علاقتنا الوطيدة مع المملكة العربية السعودية فإننا سندعم وسنضغط من أجل الإصلاح في البحرين كما هو الحال في سوريا وليبيا. وعلى الولايات المتحدة الأمريكية التحرك إذا لم يقم النظام الملكي في البحرين بإيقاف القمع للمحتجين ولم يبدأ بحوار جدي مع المعارضة. ويجب توضيح الأمر كذلك للأردن و المغرب بأن الإصلاح ضروري وأمريكا تدعم هذا الإصلاح ولن تؤيد أي أمر عكس ذلك.
صحيح أننا نعتمد على دول الخليج في الحصول على النفط، ولكن لن يتوقف تدفق النفط إذا اختلفنا مع دول الخليج. فمعيشتهم تعتمد على النفط، وللإستفادة منه لابد لهم من بيعه. وعلاوة على ذلك دول الخليج في حاجة لنا لحمايتهم، وهذا كان واضحاً في حروبهم مع العراق. ما ينبغي أن يثير اهتمام أمريكا ليس تهديدات السعودية، بل نظرة شعوب الشرق الأوسط لسياساتنا في هذه المرحلة الحاسمة في تاريخ المنطقة.